ترتيب الورثة في القرآن الكريم والحكمة التشريعية من ذلك

ترتيب الورثة في القرآن الكريم والحكمة التشريعية من ذلك

تعددت أوجه الإعجاز التشريعي في أحكام المواريث، من حيث ورود آيات المواريث وترتيبها، وقد تبين ذلك من خلال  الآيات المجملة لأحكام الميراث (يراجع آية 7-8 من سورة النساء).وآية  (ل74-75) من سورة الأنفال. ثم جاءت الآيات المفصلة لأحكام الميراث آية (11،12 ، 176) من سورة النساء.

وقد أورد سبحانه تعالى أقسام الورثة في  سورة النساء على أحسن الترتيبات ، وذلك لأن الوارث إما أن يكون متصلا بالميت بغير واسطة أو بواسطة ، فان اتصل به بغير واسطة فسبب الاتصال إما أن يكون هو النسب أو الزوجية ، فحصل ههنا أقسام ثلاثة:

 أشرفها وأعلاها: الاتصال الحاصل ابتداء من جهة النسب، وذلك هو قرابة الولاد ، ويدخل فيها الأولاد والوالدان، فالله تعالى قدم حكم هذا القسم. قال تعالى:

﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾

(النساء:11).

وثانيها : الاتصال الحاصل ابتداء من جهة الزوجية ، وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول لأن الأول ذاتي ، وهذا الثاني عرضي ، والذاتي أشرف من العرضي ، وهذا القسم هو المراد من هذه الآية التي نحن الآن في تفسيرها. قال تعالى: 

﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ .

( النساء:12)

وثالثها : الاتصال الحاصل بواسطة الغير وهو المسمى بالكلالة:

﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾

( النساء:12).

وهذا القسم متأخر عن القسمين الأولين لوجوه:

  1. أن الأولاد والوالدين والأزواج والزوجات لا يعرض لهم السقوط بالكلية ، وأما الكلالة فقد يعرض لهم السقوط بالكلية.

  2. أن القسمين الأولين ينسب كل واحد منهما إلى الميت بغير واسطة، والكلالة تنسب إلى الميت بواسطة والثابت ابتداء أشرف من الثابت بواسطة.

  3. أن مخالطة الانسان بالوالدين والأولاد والزوج والزوجة أكثر وأتم من مخالطته بالكلالة. وكثرة المخالطة مظنة الألفة والشفقة، وذلك يوجب شدة الاهتمام بأحوالهم ، فلهذه الأسباب الثلاثة وأشباهها أخر الله تعالى ذكر مواريث الكلالة عن ذكر القسمين الأولين فما أحسن هذا الترتيب وما أشد انطباقه على قوانين المعقولات"

المؤلفون د.خالد راتب
التصنيف التشريعي و البياني
الوسوم الاعجاز التشريعي
عدد المشاهدات 2256
عدد المشاركات 1
شارك المادة
تحميل المادة

مواد ذات صلة

مكانة غير المسلمين في الاقتصاد الإسلامي مجال الضمان الإجتماعي 1

مكانة غير المسلمين في الاقتصاد الإسلامي مجال الضمان الإجتماعي 1

مكانة غير المسلمين في الاقتصاد الإسلامي مجال الضمان الإجتماعي 1

التعامل مع قضية الميراث من خلال المنظومة المالية المتكاملة

التعامل مع قضية الميراث من خلال المنظومة المالية المتكاملة

من الخطأ الفادح أن ننظر إلى الميراث كقضية مستقلة بمنأى عن المنظومة التشريعية الخاصة بالمعاملات المالية، ؛ بمعنى أنه لا يمكن فصل الميراث عن المعاملات المالية الخاصة بأفراد المجتمع سواء أكانوا رجالا أم نساء، وهذا ما أكده عليه الإسلام  حيث قرر للرجال والنساء  حق الاستحقاق المالي، دون  تفضيل جنس على جنس  ، وإن اختلفت نسبة  هذا الاستحقاق أحيانا  في موضع  عوض صاحبه عن هذا النقص في موضع آخر، قال تعالى: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" (النساء:32).

فريضة الزكاة واستيعاب تطورات العصر

فريضة الزكاة واستيعاب تطورات العصر

إن الناظر في طبيعة التشريع في فريضة الزكاة -بالنسبة لمصارف الزكاة- يجدها قد حددت تحديداً قطعياً في القرآن الكريم في قول الله -عز وجل- : ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة: 60).