الاعجاز فى آية تاسيس البنيان

الاعجاز فى آية تاسيس البنيان

يقول الله سبحانه وتعالى:

"أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لايهدى القوم الظالمين"

(التوبة: 109).

تناولت الآية عدة عوامل ذات تأثير فعال ومباشر في تأسيس أساسات المنشأ، فالتعبير القرآني (أسس بنيانه) يعطى دلالة هندسية، فعند ذكر التأسيس والأساس لابد أن يكون هناك أحمال ناشئة من البنيان تستلزم إنشاء أساسات لها، واختيار نوع مادة الأساس طبقا لذلك، ولفظة (على) في قوله (على شفا جرف هار) لها معني هندسي، يفيد أن نوع الأساس المختار هو الأساسات السطحية وليس أساسات عميقة، لأنه لو كانت أساسات عميقة لكان التعبير المناسب هو (في شفا) وليس (على شفا).

وفى حالة استخدام الأساس السطحي وعلى سطح الأرض مباشرة يكون الانهيار مؤكدا، لطبيعة وظروف هذه الأرض، ولكن إذا كان الأساس سطحيا وكان على عمق من سطح الأرض ربما لايحدث انهيار.

ولفظة (شفا) لها مدلول هندسي يفيد بأنها المنطقة التي تبدأ من حافة الجرف وحتى نقطة بدء التصدع في الجرف والتي يحدث عندها شكل الانهيار نتيجة ميل طبقة الجرف، وحتى يكون الانهيار مؤكدا لابد أن يكون التأسيس داخل منطقة الشفا لأنه لو بعد عنها قد لايحدث انهيار.

ولفظة (جرف) لها مدلول هندسي يعنى الفجوة من الأرض وقد تنشأ بفعل السيول أو قد تنشأ بفعل عوامل التعرية، ولكي يكون الانهيار مؤكدا لابد أن يكون للجرف حافة وأن يكون التأسيس عليها،  أما لفظة (هار) فلها مدلول هندسي يعنى التربة القابلة للانهيار، وحتى يكون الانهيار مؤكدا لابد أن تكون التربة ضعيفة وغير قابلة للتأسيس عليها.

لقد أوضحت الآية الكريمة أحد أسس ومبادئ التصميم الهندسي، ونقصد هنا أهمية اختيار ودراسة الموقع الذي يتم اختياره لعملية إنشاء مبنى ما، وأن البناء على حافة حفرة ذات تربة غير متماسكة سهلة الانهيار يعتبر من أسوأ الاختيارات الهندسية، خاصة في حالة عدم أخذ الاحتياطات التصميمية اللازمة وأهمها اختيار نوع الأساس المناسب، أو التفكير في كيفية تدعيم هذه الحافة حتى لاتكون سهلة الانهيار.

وهذا الملمح في مجال تصميم الأساسات للمباني، هو ملمح قرآني رباني يؤكد على أن القرآن الكريم ليس من كلام البشر بل هو كلام الله جل في علاه.


المؤلفون أ.د. يحيى حسن وزيري
التصنيف التشريعي و البياني
الوسوم الاعجاز التشريعي
عدد المشاهدات 583
عدد المشاركات 0
شارك المادة
تحميل المادة

مواد ذات صلة

التحذير من اصطفاء كرائم الأموال عند تحصيل الزكاة

التحذير من اصطفاء كرائم الأموال عند تحصيل الزكاة

النص المعجز: يرشد إلى هذا الخلق الكريم السنة النبوية المطهرة , وقد جاء ذلك في أكثر من حديث منها: (عن ابن عباس أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلي اليمن قال إنك تأتي قوما من أهل الكتاب, فادعهم إلي شهادة أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله , فإن هم أطاعوك لذلك , فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة, فإن هم أطاعوك لذلك , فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم , فترد على فقرائهم, فإن هم أطاعوك لذلك, فإياك وكرائم أموالهم , واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. رواه الجماعة).

علم الوراثة فى النبات

علم الوراثة فى النبات

النص المعجز: (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)  سورة الرعد  المعانى اللغوية: الماء هو جسم رقيق مائع به حياة كل نام ، وقوله : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) أي : هذا الاختلاف فى ثمارها وطعومها وروائحها ، وأوراقها وأزهارها. تفسير الآية: " يسقى بماء واحد " الذى ينزل من السماء حالا أو مآلا فتتكون منه الأنهار والعيون والآبار التى تحتوى على الماء الصالح للرى والعذب الصالح للشرب ، فتخرج الزروع والأشاجر بأزهارها وثمارها . وقال القرطبى : نبه سبحانه بقوله : يسقى بماء واحد على أن ذلك كله ليس إلا بمشيئته وإرادته ، وأنه مقدور بقدرته.

من الإعجاز التشريعي في الميراث الجمع بين الإيجاز والدقة  والشمول

من الإعجاز التشريعي في الميراث الجمع بين الإيجاز والدقة والشمول

آيات الأحكام  المرتبطة بالمواريث جاءت غاية في الإيجاز البليغ، مع شُمُولها كلَّ جوانب الأحكام التي تتناولها؛ فهي مُوجزة وشاملة، والجمعُ بين الشُّمول والإيجاز لون من الإعجاز التشريعي، فهناك آيتان مُتتاليتين في سورة النِّساء، وآية ثالثة، في آخر السُّورة نفسها، هذه الآيات الثَّلاث جمعت أغلب قواعد وأحكام علم الميراث- الذي شرح في أسفار كبيرة- وجمعت نصيب كل وارث في التركة ،بل وأعطت غير الوارثين عطاءات أخرى مثل الوصية المستحبة، مما سهل على  الفقهاء التعامل مع علم المواريث من زوايا متعددة، فبدأوا بالحديث عن الحقوق المتعلقة بالتركة وترتيبها، وأسباب الميراث وشروطه وموانعه، وأنواع الورثة وبيان نصيب كل واحد، وبيان من يحجب من الميراث ...، وهذا يدل دلالة واضحة على اتساع الرؤية الفقهية- المستنبطة من آيات الميراث قليلة العدد- في استيعاب الأحكام المتعلقة بالميراث. كما أحكام المواريث  قد صيغت  بدقة عالية ، فجل الأحكام التي استنبطها العلماء في المواريث مرجعها إلى بضع آيات في سورة النساء ،وبعض الأحاديث، وهذا إعجاز أيضاً يضاف إلى رصيد هذه النصوص الشرعية، وأقول جازماً بأنه لا يمكن لأي نص قانوني من وضع البشر أن يشتمل على كل هذه الأحكام الكثيرة- وهذا بغض النظر عن العظمة والدقة في هذه الأحكام-، وكل هذا يدل دلالة واضحة على إعجاز هذه النصوص لكل البشر حتى لو اجتمعوا لذلك، وصدق الله القائل: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: 88).